يقول جوان كول، وهو مؤلف معروف له كتب عن العالم الإسلامي: “إن العراق وإيران والهند والصين ومصر (هم من ابتكروا الحضارة المزعومة) … كانت لفراعنة مصر الحضارة منذ آلاف السنين بينما كان الكلتيون في بريطانيا يدهنون أنفسهم باللون الأزرق ويقومون بالصيد ويجمعون الثمار في النفايات.”
إن فكرة أن الأفارقة ساهموا قليلا أو لم يساهموا في الحضارة العالمية واحدة مما يُتداول في الغرب منذ فترة طويلة. ويرجع السبب في ذلك جزئيا إلى تصوير أفريقيا بالحروب الأهلية والمجاعة و البدائية, مما جعلت المعلومات حول التطورات والمساهمات الأفريقية وإنجازاتها الماضية تبقى غامضة و غير معروفة.
في الأسبوع الماضي, روّج عضو الكونغرس الأميركي المحافظ من ولاية أيوا، ستيف كنغ, لنفسه بطريقة سلبية, وذلك بادعائه فى المؤتمر القومي الجمهوري فى أوهايو, أن “الأعراق الغير بيضاء” لم يساهموا بشئ في الحضارة. إلا أن الجزء الأكثر إثارة للقلق أنه بعد تصريحاته غير الدقيقة تأريخيا لم يُوجَّه إليه حتى الآن أي ردود لازعة, كما أنه يبدو وكأنه هو تفسه لا يبالي بالانتقادات.
لقد أشار هذا الرجل إلى أنه لن يعتذر, إذ ليس عليه هو وشعبه كأمريكيين الاعتذار عن ثقافتهم أو حضارتهم. فـ”المساهمات التي قدمها الحضارة الغربية نفسها، من قبل الأميركيين من جميع الأعراق تقف أعلى بكثير من بقية العالم. الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية هي الثقافة المتفوقة.”
ستيف كنغ, عضو الكونغرس الأميركي المحافظ من ولاية أيوا
وكما يبدو من جهالة ستيف كنغ, فإنه يحتاج إلى قدر كبير من الدروس لمعرفة أدوار الآخرين، بما فيهم الأفريقيين في الحضارة الحديثة. بل التجرؤ على احتكار الحضارة الحديثة واعتبارها صنعة غربيةً بحتة إهانة وتزوير للتأريخ. لأن للحضارة الحديثة الكثير من المساهمين فيها, والادعاء بأنها ظاهرة متجانسة خطأ فادح.
يعتبر الزيمبابوي “تاتندا غوامبوكا” من الشباب الأفارقة الذين ردّوا على كنغ, ولأنه – أي الكاتب الزيمبابوي – أتى بشواهد مهمة, فسأعتمد على كتابته هنا مع إضافات ودلائل.
إن مما يجدر بكنغ وغيره من الذين يتبنون نفس الموقف أن يعرفوه أنه إذا كان ما يعتبرونه “حضارة” هي؛ المجتمع الحضري مع انخفاض مستويات الأمية، والرياضية، والتقدم العلمي والتكنولوجي؛ فإن القوقازيين ليسوا من طوّروا ذلك.
يقول جوان كول، وهو مؤلف معروف له كتب عن العالم الإسلامي: “إن العراق وإيران والهند والصين ومصر (هم من ابتكروا الحضارة المزعومة) … كانت لفراعنة مصر الحضارة منذ آلاف السنين بينما كان الكلتيون في بريطانيا يدهنون أنفسهم باللون الأزرق ويقومون بالصيد ويجمعون الثمار في النفايات.”
التقدّم الرياضي
عظمة إشانغو التي عثر عليها في الكونغو.
كان الأفريقيون هم روّاد الحساب الأساسي وتكفي عظمة إشانغو (Ishango bone) – التي عثر عليها في الكونغو – دليلا كافيا على ذلك. ويقدر عمر هذا السجل الرياضي أن يكون حوالي 37,000 سنة. ولمحو مساهمة أفريقيا وآثارها في الرياضيات الحديثة، فسيحتاج كنغ لإثبات أن “الحضارة الغربية” قد اخترعت شيئا من هذا النوع في وقت سابق من أفريقيا.
إضافة إلى ما سبق, كان لقبائل اليوروبا فيما يعرف اليوم بنيجيريا نظامهم الرياضي. ويستند هذا النظام على وحدات من 20 (بدلا من 10) مما يتطلب كمية كبيرة من الطرح لتحديد أرقام مختلفة. وقد أشاد العلماء بهذا النظام الرياضي وقام آخرون بدراسته والاستفادة منه، لأن هذا النظام يتطلب الكثير من التفكير المجرد.
المجتمع الحضري
كانت المدينة المصرية القديمة “اللاهون” هي أولى المدن العالمية في هندسة التخطيط البنائية. وكان لها جزء يضم الأغنياء من سكان المدينة، مثل الكثير من المدن الحديثة كما أن للناس العاديين منطقتهم أيضا. وكانت شوارع الجزء الغربي مستقيمة ومشيدة بأساليب مبهرة.
وهناك مدينة مصرية أخرى “تل العمارنة”، يقال بأنها أول “مدينة خضراء” خُطّط لها. وكان لها نظام مصمم للتخلص من النفايات, بل إن شبكات الصرف الصحي الحديثة تدين بوجودها في تل العمارنة.
التقدم العلمي والتكنولوجي
الحضارة الأفريقية هي التي أوجدت التعدين! منذ حوالي 43،000 سنة، يمارس الأفارقة التعدين باستخدام النشاطات الفنية, وهذا واضح من ألغام هيماتيت التي وجدت في سوازيلاند.
ويوجد أيضا في كينيا هيكل معروف باسم “ستونهنج الأفريقي”, والذي يشار إلى أنه بني ويستخدم للتقويم منذ حوالي 300 ق.م, وكان تقويما دقيقا جدا بشهادة العلماء. كما أن شعب دوغون في مالي جمع ثروة من تفصيلات الملاحظات الفلكية, وكان كثير من اكتشافاتهم متقدمة لدرجة أن بعض علماء الحديث يعزوون الفضل إلي اكتشافاتهم بدلا من عزوه إلى كائنات فضائية أو رحالة أوروبيين غير معروفين.
الهندسة الكسيرية ضمن الثقافة الأفريقية القديمة. صورة أرشيفية من زامبيا.
بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف الفركتلات أو الكُسيريات، التي كانت في شكل متطور من الرياضيات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وجاء تعليق المؤلف وأستاذ العلوم والتكنولوجيا الأمريكي “رون إجلاش” على هذه الكُسيريات الأفريقية كالتالي: “يقال بأن الهندسة الكسيرية من إحدى الحدود الأكثر إثارة في الانصهار بين الرياضيات وتكنولوجيا المعلومات، وأصبحتْ أداة جديدة مهمة لتقديم النماذج في البيولوجيا والجيولوجيا والعلوم الطبيعية الأخرى”.
وفي الأخير؛ إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن السيد ستيف كنغ مخطئ تماما وجاهل غاب عنه الحقائق التأريخية. فهو يحتاج إلى أن يُعطى دروسا حول أشياء كثيرة كان يعتقد – خطأ – أنها تراث بلاده مع أنها إرث مسروق. فالأفريقيون والآسيويون ساهموا بالكثير في الحضارة العالمية الحديثة. ومن التهور التظاهر بأن الحضارة هي اختراع الرجل الأبيض.
بل هناك عدد من المؤرخين ينتقدون أصل مصطلح “الحضارة الغربية” ويعتبرونه من اختراعات الأوروبيين في القرن التاسع عشر. نتيجة لنشأة صراع “الغرب ضدّ الشرق”. لكن استخدام المصطلح لم يحرز نجاحا في الولايات المتحدة إلا بعد أن حان وقت البيان والشرح للجنود المتجهين إلى الحرب العالمية الأولى لماذا يجب عليهم المكافحة من أجل بقاء وتفوق أوروبا.
وصدقت ورقة اليونسكو بشأن المساهمات الأفريقية في العلوم والتكنولوجيا والتنمية, عندما أشارت إلى أن “أي فحص في مساهمات أفريقيا في العلوم والتكنولوجيا تعيقه المشكلة الناشئة عن الآراء التأريخية العنصرية والحط من أفريقيا على نمط “المتخلفة” أو “غير المتطورة.”
عبد الحكيم نجم الدين / افريقيا عربى
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *