الإنسان مهما اختلفت قوميته أو ديانته أو جنسه يبقى انسانا، له حقوق الانسانية التي ليس من حق أحد سلبها، فما بالك بأبناء الوطن الواحد!
تثير الحرب الدائرة في مدينة بنغازي الليبية علامات استفهام حول الانتماء للوطن وحقوق الانسان، فالحصار على حي قنفودة في المدينة منذ تموز الماضي لم يرع حرمة للمدنيين المحاصرين بلا جريرة.
فقد قال الجيش الوطني الليبي الذي يحاصر الحي، إنه لن يسمح بإجلاء أي ذكور تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر وخمسة وستين عاما، كما وضع مجموعة من الشروط الأخرى، فيما وضع التحالف الإسلامي المسيطر على المنطقة شروطا لإجلاء المدنيين أيضا.
فالجيش الذي يقوده الجنرال المتقاعد خليفة حفتر منذ أوائل الفين وأربعة عشر، على أراض يسيطر داخل بنغازي وحولها منذ اندلاع القتال في مايو/أيار من العام ذاته نفّذ ضربات جوية وأطلق قذائف هاون على حي قنفودة، قتلت وأصابت عددا غير معروف من المدنيين، وأضرّت بالبنية التحتية لبنغازي.
فهل يحق للجيش الوطني الليبي محاصرة المدنيين في منطقة قتال ليواجهوا مصير الموت قصفا أو جوعا؟
أما الجماعات الإسلامية المنضوية تحت مجلس شورى ثوار بنغازي فقد قصفت مناطق مجاورة لبنغازي، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من المدنيين وتدمير الممتلكات. كما أنها تعتقل تعسفيا نحو مائة من مؤيدي حكومة القذافي السابقة الذين قُبض عليهم خلال ثورة الفين وأحد عشر، واحتُجِزوا في سجن بوهديمة العسكري ببنغازي، إلى أن سيطر عليه مسلحون في أكتوبر/تشرين الأول الفين وأربعة عشر.
هذه الأطراف التي تضع شروطا حول جنس المدني وعمره لم تأخذ بالحسبان أن المدني المحاصر هو جزء من عائلة حيث لا يمكن للأم التي يبلغ ابنها خمسة عشر عاما أن تترك طفلا يواجه معركة وحصارا لا ناقة له فيها ولا جمل.
ولا يمكن لعائلة ترك معيلها لتخرج من المدينة إلى مصير مجهول، ناهيك عن عدم اكتراث المتصارعين في بنغازي للممرات الآمنة، فيتوجب على المدنيين خوض رحلة النزوح بين خنادق الحرب وألغامها ونيران الطرفين.
ومع ذلك لم يصل صوت الأهالي المحاصرين ومناشداتهم لأحد سوى منظمة هيومن رايتس ووتش التي طالبت أطراف النزاع في بنغازي السماح لجميع المدنيين بمغادرة حي قنفودة، وبالمرور الآمن للمساعدات الإنسانية إلى المنطقة.
إذا فالإنسان مهما اختلفت قوميته أو ديانته أو جنسه يبقى انسانا، له حقوق الانسانية التي ليس من حق أحد سلبها، فما بالك بأبناء الوطن الواحد!
ليبيا التي قطّعت الحرب الناتجة عن الفوضى أوصالها وتناهبتها الجماعات المسلحة تمر بمرحلة حرجة مؤلمة من تاريخها حيث تضيع الحقوق بضياع القانون الذي ما غاب إلا بغياب سلطة وطنية حقيقية قادرة على حفظ كرامة الانسان ووحدة البلاد وسيادتها.
وعلى ما يبدو فإن مصالح الأحزاب والجماعات والتكتلات أيا كانت توجهاتها عندما تتقدم على مصلحة البلد فإن دوامة العنف والاقتتال الأهلي ستكون نتيجة حتمية تتغذى عليها تلك الطبقة من المنتفعين الذين يجيدون فن التفريق ولا يفقهون شيئا عن البناء والحضارة والتقدم.
فهل ستبقى ليبيا تحت رحى الحرب التي تطحن شعبها أم أن صرخات الأبرياء المحاصرين ستصل إلى أسماع ضمير حي يحترم حقوق الانسان؟ نأمل ذلك.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *