مؤتمر برلين(1884- 1885) وانعكاساته على القارة الإفريقية

مؤتمر برلين(1884- 1885) وانعكاساته على القارة الإفريقية

#مؤتمر_برلين
#مؤتمر_استعمار_أفريقيا

       اجتمعت عدّة ظروف محلية وعالمية ساهمت في انعقاد مؤتمر برلين، وعموما فإن انعقاد المؤتمر ما هو إلا انعكاس لتلك العلاقات الأوروبية الأوروبية المتدهورة، والتي أخدت صبغة التنافس والصراع في أوروبا ، خاصة بعد الحروب القومية في إيطاليا وألمانيا، ومنه يتبن أن الدول الأوروبية قامت بتصدير مشاكلها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، إلى إفريقيا عموما والكونغو خصوصا، حيث كانت إفريقيا بمثابة كبش فداء خضع للأطماع تلك الدول الإمبريالية الكبرى, و وضع النقاط على الحروف واخذ كل دولة نصيبها ووضع حد للتنافس والاصطدام الذي كاد يكون لولا تدخل المانيا بقيادة زعمها بسمارك الذي عمدّ إلى ضرورة عقد مؤتمر لتوضيح ترسيم معالم الاستعمار ووضع حد للاصطدام بين القوى المتصارعة, فكان مؤتمر برلين(1884_ 1885) نقطة تحوّل لتقسيم القارة الإفريقية.

فماهي ظروف وعوامل انعقاد مؤتمر برلين؟؟ وما هي نتائجه على القارة الإفريقية؟؟

ظروف انعقاد المؤتمر:

     تتطلب دراسة مؤتمر برلين لعام 1884_  1885 م, عرضا سريعا للوضع الاوروبي الدولي في الفترة السابقة لانعقاد هذا المؤتمر ويقودنا هذا بالرجوع قليلا الى عام 1860م, ذلك العام الذي شهد دخول الألمان لفرنسا وكان ذلك نذيرا بإنهاء عهد وبداية عصر جديد بعد هزيمة فرنسا وتخليها عن زعامتها لأوروبا, فقام (بسمارك ) بدور قيادي في القارة الأوروبية , بعد أن جعل من ألمانيا دولة كبرى حيث اتحدت معظم ولاياتها.(2) وكان يعتقد ان المستعمرات تسبب مشاكل لألمانيا أكثر من المنافع، لكن في الثمانينات من القرن الماضي  غير رأيه فجأة.(3)

     خصوصا إذا ما علمنا أن الدول الأوروبية كل من فرنسا, بريطانيا, البرتغال, وألمانيا كانت في نهاية الربع الثالث من القرن التاسع عشر, قد حصلت على مصالح تجارية وصارت تمارس نفوذا كبيرا في أنحاء متفرقة فإن سيطرتها السياسية كانت محدودة للغاية (4) . وكان لألمانيا وبريطانيا كل ما تريدان من النفوذ ولم يرغب ساستها في القيام بعمل رسمي لضم تلك البقاع طالما تستطيعان الحصول على نفس المزايا بطريقة غير مباشرة. بيد أن هذا الموقف لم يغير النتيجة لثلاثة أحداث رئيسة في الفترة ما بين( 1876- 1880م ). (5)

اسباب انعقاد المؤتمر :

لم تكن دعوة بسمارك للقوى الاوروبية للاستعمار للمؤتمر من فراغ ، بل من مصالح ورغبات تجمع كل هذه الدول الاستعمارية، وهذا ما يجعلنا نقول بأن هناك أسباب جعلت من عقد المؤتمر ضرورة  حتمية.

كما يمكن القول بأن سبب عقد المؤتمر يعود لتلك التصرفات من جانب بعض الدول والتي بدأت بالاستحواذ على القارة السمراء وحدها ولم تعط الاخرين الحق في شيء، فسيطر على إثر ذلك مناخ من الشك والخوف والريبة بين القوى المتصارعة.(6)

بحيث سارعت كل دولة وفق ما تمليه مصلحتها للحصول على النفوذ والثورة قبل فوات الأوان، حيث شهدت إفريقيا موجة من الاستعمار في منتصف القرن 19م، منذ أن ظهر في أوروبا الانقلاب الصناعي وازدياد الحاجة للمواد الأولية , فتوجهت لإفريقيا القارة البكر، كضرورة لحل مشاكلها الاقتصادية واستيعاب صناعتها الضخمة، فبدأت الاتجاهات الاستعمارية تقوى عن ذي قبل، وتجنبا للتعقيدات التي قد تنشأ عن ترك الدول الأوروبية تنافس فيما بينها وما يشكله ذلك من أضرار على مصالحها جاء مؤتمر برلين لتنظيم ذلك التنافس.(7)

المعاهدة البريطانية البرتغالية:

     إلى جانب عامل التنافس الذي ظهر بين الدول الأوروبية في إفريقيا، هناك عامل آخر جعل من عقد المؤتمر ضرورة في رأي اللاعبين الكبار في أوروبا وفي مقدمتهم ألمانيا، وهي المعاهدة البريطانية البرتغالية، التي عقدت بين الطرفين في 26 فيفري 1884.(8)

رغم أن هذا المؤتمر كان في بدايته مهتما أساسا بمسألة الكونغو كما ادعت الدول الداعية إليه, فإنه امتد ليشمل قضايا أخرى.

 نبعت فكرة المؤتمر أصلا للقضاء على معاهدة التي كانت بين بريطانيا والبرتغال 26 فيفري 1884م،     ورغم أن هذه المعاهدة تتعلق اساسا بالإنجليز والبرتغال إلا انها امتدت لتشمل قوى أخرى مثل فرنسا والمنظمة الدولية للكونغو، وامتد نطاقها فيما بعد فشملت دول اخرى.(9)

   وعلى غرار ذلك كانت البرتغال ترفض مطالب بريطانيا و الاعتراف بها في الكونغو، وما إن حدثت المناورة الفرنسية في حوض الكونغو  في عامي( 1882- 1883)، حتى اتخذت الدولتان أسسا جديدة للتفاهم، أين خشيت البرتغال فقدان ما اعتبرته من املاكها الخاصة، بينما بريطانيا خشيت من إقفال

 نهر الكونغو*، في وجه التجارة الدولية بسبب سياسة الضرائب التي انتهجتها فرنسا، وعليه كان مشروع السيادة البرتغالية مقابل اعتراف الأخير بمطالب بريطانيا على ضفتي النهر، وقد سلمت البرتغال بمبدأ حرية التجارة في النهر وتكوين هيئة أنجلو – برتغالية لتنظيم الملاحة فيه، ولا تزيد الضرائب عن البضائع عن 10% من ثمنها الأصلي، وتكون لبريطانيا حقوق الدولة الأكثر رعاية ، فحقق مشروع المعاهدة امتيازات لها (10).

الأطماع الأوروبية في حوض الكونغو :

     في عام 1882 اختار فون اتو بسمارك ، ليصرح بأنه يخشى على الإمبراطورية أن لا يكون لها نصيبا في الميدان التجاري بغرب إفريقيا ، خصوصا إذا ما علمنا أن الملك ليبولد* LEPOLD) ( ملك بلجيكا قد شرع في تأسيس امبراطورية بالكونغو.)11(

    من جهته سارعت بريطانيا بتوقيع المعاهدة مع زعماء القبائل في الكونغو تقضي بالحماية البريطانية في المنطقة، الامر الذي أثر على الملك ليوبولد والذي كانت خزينته خاوية، فأرسل بدوره المستكشف البريطاني ستانلي* للقيام برحلة في حوض الكونغو لحسابه الخاص(.12) ، بحيث قام بإنشاء عدة محطات للملك البلجيكي ليوبولد بعد إنشاء المنطقة الدولية لاستكشاف القارة عام 1880، لكن نوايا هذا الملك وتحويل الهيئة الدولية إلى هيئة خاصة جعلت الدول الأخرى تنظر بعين الشك والريبة إلى تلك المحاولات للسيطرة على خدمات نهر الكونغو .(13)

كما كانت سببا في إرسال المستكشف الفرنسي دي برازا* (De Braza) لاكتشاف بعض المناطق في حوض البحر نفسه ، وعجل هذا التكالب باحتلال فرنسا لتونس عام 1881م ،وانجلترا لمصر عام 1882م(14).

      ويعود الفضل إلى الملك ليوبولد الثاني في القاء الضوء على مناطق كثيرة من القارة الإفريقية, فقد أرسل البعثات الكشفية والمستكشفين وبدأ يتضح للعالم أن هناك قارة وسلالات جديدة تأخذ دورها في الحضارة العالمية)15( , بحث وضع الملك ليوبولد نصب عينه هدفا هاما ، وهو تكوين مستعمرة بلجيكية في الكونغو وكان بعيد النظر في حساباته، حيث أدرك الأهمية في قارة إفريقيا وقد أعلن ذلك أمام البرلمان البلجيكي وبرر سياسته بأن بلاده صناعية وتجارية ، وأنه لم يعد أمامها مجال للتوسع في أوروبا ، وأن الجهود التي يمكن الإفادة منها وتؤتي ثمارها هي في القارة الإفريقية، ولذلك بث دعاية كبيرة عن القارة ساعده في ذلك السياسي البلجيكي الشهير إميل باننج .(16)

حيث كان يقول الملك:( إن مواردنا هائلة وإنني لا أنسى شيئا إذا قلت إنه لا يمكن إحصاؤها ولا ينقصنا سوى الجرأة) (17)

     في خضم هذا الحراك الأوروبي والذي أخذ ابعاد وأشكال متعددة بدأت المانيا التمهيد والتخطيط لعقد المؤتمر, ومن أجل ذلك بدأت خطوات التقارب مع فرنسا رغم أنها العدو التقليدي لها, لكن هذه هي السياسة كما هو معروف لا توجد فيها صداقة دائمة ولا عداء مستمر, بل مصالح دائمة .ولهذا توجهت ألمانيا لهذه الوجهة أي نحو فرنسا رغبة منها في حل مشكلة تقسيم وتوزيع إفريقيا بين الأوروبين.(18)

وفعلا التقت المصالح ورأت فرنسا ان الفكرة التي طرحها بسمارك عام 1884م, انها تلائم توجهات فرنسا الجديدة وذلك من أجل التفاهم مع الدول الأوروبية الأخرى التي لها مصالح في إفريقيا. فصار هناك إجماع على الاشتراك في هذا المؤتمر الدولي الأوروبي .(19)

   وبين  نهاية سنة 1884 ومع بداية سنة 1885م , قرر فون اتو بسمارك عقد مؤتمر للدول الاستعمارية ببرلين لتحديد مناطق النفوذ ، لتجنب الاصطدامات بين القوى الإمبريالية. (20)

و سنناقش فى الجزء الثانى من المقال انعقاد المؤتمر و قراراته و النتائج المترتبة عليه
يمكن قراءة الجزء الثانى من المقال من هنا

———————————————————————————

الهوامش:

1- اتو فون بسمارك: ولد سنة 1815م في براند نابورغ ، شغل منصب رئيس وزراء مملكة بروسيا بين عامي 1862 و1890، وأشرف على توحيد الولايات الألمانية وتأسيس الإمبراطورية الألمانية أو ما يسمى بـ “الرايخ الألماني الثاني”، وأصبح أول مستشار لها بعد قيامها في عام 1871 . أنظر/ عبد العظيم رمضان : تاريخ اوروبا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوروبية الى الحرب الباردة ، ج2 ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 136.

2-شوقي الجمل وعبد الرزاق إبراهيم: تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر، دار الزهراء, الرياض, السعودية ,2002 ,ص139.

3-منصف بكاي: الاحتلال البريطاني في إفريقيا تنزانيا تنجانيقا سابقا نموذجا، ط1، دار السبيل للنشر والتوزيع، الجزائر، 2009، ص 8.

4-حميدي جعفر عباس : تاريخ إفريقيا الحديث والمعاصر، ط1، دار الفكر لطباعة والنشر والتوزيع ، عمان 2002.

5-نفسه.

6-نجم عبد الأمير الانباري: مؤتمر برلين (1884- 1885) والصراع الأوروبي عل القارة الإفريقية , مجلة كلية الأداب, العدد95. ص696.

7-عبد العزيز سليمان النوار: محمود جمال الدين التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة حتى الحرب العالمية الأولى، دار الفكر ،القاهرة،1999 ، ص317.

8-هربرت فيشر ألبرت: تاريخ أوروبا في العصر الحديث, ترجمة: أحمد نجيب وهاشم وديع الضبع،دار المعارف ,القاهرة ,1984 ,ص 135.

9-شوقي الجمل وعبد الرزاق إبراهيم: المرجع السابق , ص133.

نهر الكونغو: ثاني أطول أنهار إفريقيا بعد النيل, وطريق مائي صالح للملاحة ,من روافده: نهر الأوبانجي وكاساي, يصلح للملاحة وبه شلالات ستانلي. انظر/: محمد محي الدين رزق :إفريقيا وحوض النيل, مطبعة عطايا,مصر,1939, ص 8.

10-فرغلي علي تسن هريدي: تاريخ افريقيا الحديث والمعاصر, مراجعة: ميلاد المقرحي, منشورات الجامعة المفتوحة, 1997, ص 115.

الملك ليبولد: (1865-1909) ملك بلجيكا , استعمر الكونغو من 1885م وجعلها مزرعة خاصة به أنظر:/ رؤوف سلامة موسى,موسوعة احداث واعللام مصر والعالم: المستقبل, بيروت لبنان, 2002, ص958.

11-منصف بكاي : المرجع السابق, ص 17.

ستانلي: كان ستانلي صحفي ورجل أعمال, إنجليزي تجنس بالجنسية الامريكية وكانت رحلاته إلى القارة الإفريقية عبارة عن مشروعات تجارية، كان صلبا، واقعيا ومثابرا وأثارت رحلاته الانتباه وجعل من رحلاته الكشفية قصة جميلة للمغامرات . انظر: جلال يحي، تاريخ إفريفيا الحديث والمعاصر, المكتب الجامعي الحديث الإسكندرية , مصر,1999, ص 398.

12-شوقي الجمل وعبد الله عبد الرزاق :المرجع السابق, ص 47.

13-فرغلي علي تسن هريدي: المرجع السابق, ص129.

دي برازا : إيطالي حصل على الجنسية الفرنسية وكلف من طرف فرنسا بمهمة التوجه إلى إفريقيا واكتشاف أقاليمها ، ويعتبر مؤسس برازافيل. انظر: جلال يحي, المرجع السابق، ص 381.

14- فرغلي علي تسن هريدي: المرجع السابق, ص130.

15-إلهام محمد ذهني: بحوث ودراسات وثائقية في تاريخ إفريقيا الحديث ,مكتبة الانجلو مصري , مصر ,2009,ص 189.

16-نفسه, ص 238.

17-زاهر رياض: استعمار إفريقيا, دار القومية ,1965 , ص 143.

18-شوقي الجمل: كشف إفريقيا واستعمارها, دار المعارف, القاهرة, 1980, ص 407.

19-هربرت فيشر ألبرت: المرجع السابق, ص 385.

20-منصف بكاي: المرجع السابق, ص 18.

1 تعليق

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

1 التعليق

أحدث الموضوعات

الكتاب الاكثر تفاعلا

الموضوعات الاكثر تعليقا

فيديوهات مميزة