#االمذابح_بين_الهوتو_والتوستى
أولا : آثار الاستعمار الألماني والبلجيكي على نسيج المجتمع :
منذ عام 1894 حتى نهاية الحرب العالمية الأولى كانت رواندا وبورندي جزءا من إفريقيا الشرقية الألمانية ثم اصبحت تحت إدارة بلجيكا منذ عام 1924 وحتى عام 1962 ، وبعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية ، تحولت كل مناطق الانتداب إلى مناطق وصاية حيث أصبحت بلجيكا وصية على رواندا لصالح الأمم المتحدة ، مع ضرورة التزامها بإعدادها من أجل مرحلة الاستقلال ، إلا أن البلجيكيين تبنوا سياسة إدارية تنتهج الحكم غير المباشر ،وتقوم على تقسيم طبقي للبشر إلى طبقة عليا وطبقة دنيا .
فخلال الفترة الاستعمارية حكم الألمان والبلجيكيون رواندا من خلال ملوك قبيلة التوتسي وزعماء قبائل التوا , فعمل ذلك على تغذية مشاعر الكراهية والاستياء تجاه التوتسي والتوا الذين كانوا يمثلون حوالي 3% من السكان ، كما ازدت مشاعر التكبر والغطرسة من قبل قبيلة التوتسي فكانوا يرون أن من ينتمي لبقية القبائل أدنى منهم ، وخلال عامي 1933 و1934 قام الاستعمار البلجيكي بإدارة عملية التوافق بين العرقيات وتبنوا نظام بطاقة الهوية والتي تضمنت ثلاث فئات وهي الهوتو والتوتسي والتوا بحسب انتماء الآباء وبدون مراعاة للعرقية التي تنتمي لها الأم وذلك التقسيم عمل على القضاء على الهوية الوطنية الرواندية حيث أصبح كل فرد يحمل هوية العرق الذي ينتمي له فزاد الانقسام بين الأفراد وخاصة مع استحواذ عرقيات معينة على كل المميزات والصلاحيات داخل الدولة على حساب العرقيات الأخرى ، وطبقا لذلك، تم التوصل بطريقة ما إلى ما محصلته أن الهوتو الذين يمثلون الأغلبية أقل صلاحية للحكم من أقلية التوتسي، الذين كانوا معتادين في ذلك الوقت على تطبيق السياسة الإدارية للبلجيكيين بطريقة غير مباشرة .
ثانيا : بداية المذابح الجماعية:
وفي عام1959 ، أطاحت ثورة غير متوقعة للهوتو بأرستقرا طية التوتسي ،ولقد شهدت البلاد موجة هائلة من الإبادة الجماعية والتي كانت أكبر إبادة جماعية في تاريخ القارة الإفريقية على يد أبناء الهوتو الذين قتلوا نحو 100 ألف شخص ينتمي للتوتسي ، مما أدى إلى موجة هائلة من هجرة التوتسي إلى دول الجوار وهي الكونغو وأوغندا وبوروندي. وقد أسفرت الانتخابات التي أعقبت ذلك وما صاحبها من استقلال للبلاد عام 1962 عن تولي - غريغوار كايباندا - وهو من الهوتو منصب أول رئيس لرواندا .وعلى الرغم من تشابه التركيبة الإثنية في كل من رواندا وبوروندي فإن الغالبية من الهوتو في بوروندي لم تتقلد زمام السلطة بشكل كامل منذ الاستقلال. وعوضا عن ذلك فقد حكمت البلاد بواسطة مجموعات متعاقبة من العسكر الذين تمكنوا من قمع الطموحات السياسية للأغلبية العرقية .وفي عام 1972 قامت قوات التوتسي الحكومية بارتكاب مذبحة رهيبة راح ضحيتها حوالي ثلاثمائة ألف شخص من الهوتو، وقد استهدفت المذبحة المعلمين والطلاب وذوي النفوذ، حتى إن هذا العام أصبح يمثل في الذاكرة الجماعية لكل من الهوتو والتوتسى عام الرعب.
وكانت هذه بداية هيمنة الهوتو التي ستتخطى مرحلة إنشاء الجمهورية الثانية عام 1973 تحت قيادة جوفينال هابياريمانا حتى الحرب الأهلية ، وقد هبت رياح التغيير الخارجية في التسعينيات في نهاية المطاف على بول كاغامي وهو من التوتسي وزعيم جبهة رواندا الوطنية المتمردة وأوصلته إلى السلطة عام 1994 وقد أنهى ذلك عمليًا زهاء 30 عامًا من الدكتاتورية والقبلية واستهل نظامًا دستوريًا وسياسيًا جديدًا، ولكنه أبقي على النظام الرئاسي والهيئة التشريعية ذات المجلسين.
ثالثا : مذبحة عام 1994 بين قبائل الهوتو والتوتسي:
طوال فترة الحكم الاستعماري وحتى عام 1994 لم تكن تعرف الدول الإفريقية دستوار يراعي الاختلاف والتنوع القبائلي والثقافي بين أفراد شعبها ، فجميع الدساتير التي تم وضعها هي نماذج لدساتير أجنبية لم تراع العوامل الاجتماعية والدينية والثقافية للمجتمع الرواندى أو البوروندي ، فهي دساتير وضعت لتثبيت دعائم حكم الاستعمار على الأراضي الإفريقية وزيادة روح الفرقة بين ابناء الشعب الواحد وتغذية روح التمييز العنصري بين ابناء الشعب وزيادة قدرتها في الحصول على موارد الدول الإفريقية التي تعتبر هي السبب الرئيسي وراء حركات الاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية .
داخل رواندا وفي أقل من 100 يوم تم قتل أكثر من 800 ألف شخص على يد قبائل الهوتو والتي استهدفت قبائل التوتسي ، هذا بالإضافة إلى خصومهم السياسيين الذين لا ينتمون للعرقيات التابعة لهم ، وذلك كله يعود لعوامل تاريخية طويلة الأجل فعلى الرغم من أن 85% من الشعب الرواندي ينتموا لقبائل الهوتو إلا أن مقاليد الحكم ظلت في يد أقلية التوتسي لفترة طويلة من الزمن ، وفي عام 1959 أطاحت قبيلة الهوتو بالحكم الملكي التابع للتوتسي وفر كثير من أهل الدولة للبلدان المجاورة ومنها أوغندا ، ولقد شكلت جماعة من التوتسي والتي فرت خارج البلاد جماعة مسلحة أطلقت على نفسها أسم " الجبهة الوطنية الرواندية " وقامت هذه الجماعة بغزو رواندا عام 1990 وتقاتلت مع الهوتو واستمر هذا القتال إلى أن تم ابرام اتفاقية سلام أروشا عام 1993 .
وفي عام 1994 أسقطت طائرة كانت تقل الرئيس الرواندي آنذاك جوفينال هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا وقتل جميع من كانوا على متنها ، فاتهم متشددي الهوتو أن الجبهة الوطنية الرواندية والتابعة للتوتسي هي السبب وراء تلك الحادثة وذلك رغبة منهم في البدء بتنفيذ ابادة جماعية ، فقاموا بتسليم قوائم بأسماء خصوم الحكومة إلى المليشيات وكانوا هؤلاء الخصوم ينتمون إلى التوتسي فتم قتلهم وقتل أسرهم وقتل جيرانهم حتى أن الأزواج قاموا بقتل زوجاتهم المنتميات إلى التوتسي وقالوا لهم بأنهم إذا لم يفعلوا ذلك فستقوم الحكومة بقتلهم ، كما تم تشكيل دوريات مرورية ولجان تعمل على التفتيش على الهويات وتعمل على قتل كلا من ينتمي إلى التوتسي حيث كانت بطاقات الهوية في ذلك الوقت تحمل أسم الانتماء العرقي التي ينتمي إليها الشخص وتم احتجاز آلاف النساء المنتميات إلى قبيلة التوتسي حتى يتم استغلالهم جنسيا .
بالعودة إلى فترات الاستعمار الألماني والبلجيكي نجد أنه قد لعب دوار كبيرا في تلك المذبحة نتيجة لبطاقات الهوية التي تم عملها في البلاد والتي ذكر بها الانتماء الطائفي والتي أيضا قد عملت على زيادة درجة الانفصال بين أبناء الشعب ال واحد .
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *