قام (موبوتو سيسي سيكو) رئيس أركان الجيش الذى عينه لومومبا والذي كان حليفاً سابقاً له ووزيرا فى حكومته بخيانته و اتهمه أمام كاميرات التلفزيون بانه متعاطف ومؤيد للشيوعية حتى ينال الرضا الأمريكى .
نبذة عن الكونغو الديموقراطية
تقع الكونغو فى وسط قارة أفريقيا وهى دولة مفتوحة على عدة دول أخرى اشهرها من الشمال الشرقى السودان و من الشرق أوغندا و تنزانيا و زامبيا و من الغرب أنجولا .
يُعتبر باطن أرض هذا البلد الأغنى عالميا بالموارد الطبيعية من الناحية الجيولوجية و علم المعادن .
تمتلك الكونغو احتياطيات هامة من المعادن المختلفة والتي تبلغ مايقارب 50 معدنا، منها النحاس – الكوبالت – الفضة – اليورانيوم
ويتميز البلد باحتوائه على كميات هامة من الألماس إضافة إلى أنه يحتوي على ثاني أهم احتياطي عالمي من النحاس المستكشف على كوكب الأرض ويبلغ 10% و 50% من الكوبالت .
تُعتبر الموارد المائية الضخمة في البلاد أحد أهم مصادر إنتاج الطاقة الكهرمائية الذي يقارب 100.000 ميغا واط، أي مايعادل 13% من الإنتاج العالمي .
من هو رئيس الوزراء المنتخب لومومبا ؟
ولد باتريس لومومبا عام 1925 في قرية كاتاتا بمقاطعة الكونغو الشرقية، وينتمي إلى قبيلة باتيليلا وهي جزء من قبيلة المونغو.
وهو من أبناء النخبة الكونغولية التي حظيت بالتعليم في فترة الاستعمار البلجيكي حيث تلقى التعليم الأولي بالمدارس التبشيرية، وجدير بالذكر أن الكونغو بتعدادها إبان الاحتلال البلجيكي الذي بلغ 13.5 مليون نسمة لم يكن من بين أبنائها سوى 17 فردًا حاصلين على شهادات جامعية. ثم التحق بمدرسة لتدريب عمال البريد في ليوبولدفيل سابقًا ـ كينشاسا حاليًا ، وفي التاسعة عشرة من عمره عمل موظفا للبريد بمدينة ستانلي فيل وشهد خلالها بأم عينه الفصل العنصري ضد السود. في الوقت نفسه درس القانون والاقتصاد واجتاز عدة دورات دراسية، وعقد خلال عمله علاقات وثيقة مع القبائل الأفريقية المختلفة مما مهد له شعبيته لاحقا و صبغ كاريزما الزعامة عليه .
العمل السياسى
بعد سماح سلطات الاحتلال البلجيكى بالنشاط السياسي الوطني بالكونغو أسس حزب الحركة الوطنية الكونغولية الذي يهدف للاستقلال والوحدة الوطنية وكانت أقوى الحركات السياسية في الكونغو، كما رأس تحرير جريدة الاستقلال، وقام بالاتصال بعدة أطراف إقليمية و دولية لتأييد حق بلاده في الاستقلال وانهاء الاحتلال البلجيكى كما شارك في مؤتمر أكرا الممهد لمنظمة الوحدة الإفريقية في ديسمبر عام 1958
كان لومومبا يتمتع بقدرة خطابية عالية جدا و كاريزما قادرة على الإقناع فكان يحث الجماهير بخطبه النارية وبمقالاته الحماسية في الصحف المحلية والخارجية يشرح فيها جرائم البلجيك ضد شعبه وبلده معتمداً على البراهين والأدلة والتقارير والاحصاءات الصادرة من الأوساط البلجيكية…و كانت تلك الادلة تتضمن الاموال الطائلة التي هربها الاحتلال الى بلجيكا.
حظي لومومبا بشعبية واسعة وقاد العديد من المظاهرات والمواجهات مع الاستعمار البلجيكي عام 1959 أدت إلى اعتقاله لمدة ستة أشهر، وأفرج عنه لإنجاح مفاوضات مؤتمر المائدة المستديرة التي كانت تجري في بروكسل لبحث مستقبل الكونغو، ونقل من السجن إلى بروكسل بالطائرة، و تم الاتفاق على اجراء استفتاء شعبي عام في الكونغو تحت اشراف دولي لمعرفة رغبة الشعب في الاستقلال، وتم الاتفاق على استقلال الكونغو وإنهاء ثمانين عاما من الاستعمار البلجيكي، وإجراء أول انتخابات ديمقراطية في البلاد.
أول انتخابات ديموقراطية فى البلاد :
أجريت انتخابات نيابية في مايو/ أيار 1960 تنافس فيها أكثر من مائة حزب، وحققت الحركة الوطنية بقيادة لومومبا نجاحا ساحقا وحصل على حوالي 90% من الأصوات. وحاولت بلجيكا إخفاء النتائج النهائية وإسناد الحكم إلى حليفها جوزيف إليو خاصة أن منصب رئيس الوزراء هو المتحكّم في شؤون البلاد؛ حيث يُعتبر منصب الرئيس منصبا شرفيا، وكان الرئيس آنذاك يُحابي الاحتلال على حساب شعبه، ولكن الضغط الشعبي وحفاظاً على ماء وجههم امام الرأي العام الاوربي، أجبرت بلجيكا على تكليف لومومبا بتشكيل الحكومة في 21 يونيو 1960.
مواقف لومومبا و أزمات واجهها .
شكل لومومبا أول حكومة كونغولية منتخبة في 23 يونيو/ حزيران 1960 وحرص على أن تضم حكومته كل القوي الوطنية وأصدر عدة قرارات عشية استقلال البلاد لإبعاد البلجيكيين عن إدارة شؤون البلاد ..فكانت هذه القرارات الجريئة بمثابة اول اصطدام مباشر بقوات بلجيكا وأعوانها و كذلك بالمخابرات الامريكية التى أردات الدخول على الخط بعد استقلال الكنغو لتحل محل البلجيك لا سيما بعد معرفتها بتوجه لومومبا الاشتراكى و المناهض للرأسمالية .
حادثة يوم الاستقلال
حدثت أزمة سياسية بين الكونغو وبلجيكا يوم الاستقلال، ففي
30 يونيو 1960 حضر ملك بلجيكا بودوان ورئيس وزرائه وكذلك زعماء من الدول الافريقية و بعض الشخصيات الاوربية إلى الكونفو لحفل إعلان الاستقلال.
تقدم رئيس وزراء البلجيك لألقاء كلمتة فمنعه لومومبا بحجة ان اسمه غير وارد في قائمة المتكلمين فأمتعض رئيس الجمهورية كازا فوبو من هذا التصرف و يعتبر رئيس الجمهورية مواليا للاحتلال و منصبه شرفى ، فقام ملك بلجيكا بعد استبعاد رئيس وزراء بلجيكا من الحديث وألقى كلمة قال فيها “ان بلجيكا ضحت بشبابها واموالها الطائلة من اجل تعليم الشعب الكونغولي ورفع مستوى اقتصاده، وحذر الوطنيين الكونغوليين بعدم اتخاذ إجراءات متسرعة أو غير مدورسة تؤدي إلى تدمير المدنية التي خلفها البلجيكيون لهم.
فأغضب ذلك الكونغوليين واعتبروا حديثه مهينا ويفتقر إلى اللياقة، فقام لومومبا واتجه إلى المنصة فقاطع الملك البلجيكي بخطاب أطلق عليه خطاب “الدموع والدم والنار” قائلا :”أيها المناضلون من أجل الاستقلال وأنتم اليوم منتصرون، أتذكرون السخرية والعبودية التي فرضها علينا المستعمر؟ أتذكرون إهانتنا وصفعنا طويلا لمجرد أننا زنوج في نظره ؟ لقد استغلوا أرضنا، ونهبوا ثرواتنا، وكان ذلك بحجج قانونية.قانون وضعه الرجل الأبيض منحازا انحيازا كاملا ضدالرجل الأسود. لقد تعرضنا للرصاص والسجون وذلك لمجرد أننا نسعى للحفاظ على كرامتنا كبشر”.
وهنا ساد صمت مطبق بين الزعماء … وبهت رئيس الكونغو الموالى للاحتلال و كذلك ملك بلجيكا و رئيس و بيتوا النية على التخلص من ذلك الرجل الذى يبدو منذ البداية انه عقبة فى وجه المحتل و اعوانه و سيحاول ايقاف نهبهم للبلاد .
أزمات مدبرة لأحراج لومومبا شعبيا
لم تنعم الكونغو بالاستقلال سوى أيام معدودة، فقد دخلت في سلسلة من الأزمات لم تتوقف. ووجد لومومبا نفسه يواجه أزمات كبرى بدأت بتمرد عسكري في الجيش، وانفصال إقليم كاتانغا الغني بالثروات في الكونغو بدعم من بلجيكا و المخابرات الامريكية المتمثلة فى بعثة الامم المتحدة التى تشرف على اجراء الانتخابات . و بدأت بعد الاضرابات الفئوية العمالية فى اماكن اخرى
في يوليو 1960 قام مويس تشومبي حاكم إقليم كاتانغا ،الغني بالمعادن الثمينة، بالثورة على الحكومة الكونغولية وأعلن الحرب عليها كما أعلن انفصال الإقليم عن الكونغو في دولة مستقلة.
اختلافات فى الوسط السياسى :
بدأت الخلافات السياسية تظهر على الساحة بين أتباع الرئيس كازافوبو و الذين يؤيدون الاحتلال ومدعومين من الغرب و بين انصار حزب لومومبا لاسيما بعد إعلان تشومبى استقلال اقليم كاتنغا …مما أدى الى بداية ظهور نجم ( سيسي سيكو ) الذى كان ظابطا فى الجيش البلجيكى قبل الاستقلال و لكنه ترك الجيش بعد بفترة قبل الاستقلال وأصبح صحفيا لجريدة “L’Avenir” الليبرالية في ليبودفي في 1957 تحت إشراف الصحفي أنطوني بولامبا والذي كان واسطة للتعريف بين لومومبا و سيسى سيكو سافر سيسى سيكو لأول مرة إلى أوروبا عام 1958 لتغطية مؤتمر EXPO في بروكسل حيث بقي لبعض الوقت ليتابع التدريب على الصحافة. في نفس الوقت كان في بروكسل سياسيون كونغوليين يفاوضون من اجل استقلال بلادهم. في يوليو 1960 بعد استقلال الكونغو أصبح وزير الدولة في حكومة باتريس لومومبا. واستفاد من الخلافات بين السياسيين بعد ازمة انفصال اقليم كاتنغا وحيث انه الوحيد فقط من اتباع لومومبا الذي لديه خبرة عسكرية عينه لومومبا رئيس اركان الجيش الكونغولي . و بذلك اصبح الرجل أهم شخصية عسكرية فى الكونغو .

الجنرال سيسى سيكو
بدأ لومومبا فى التفكير نحو الاستعانة بحليف استراتيجى يواجه البلجيك و الأمريكان و يقف بجانبه فى أزمته و يموله بالسلاح لأنهاء تمرد الاقليم الذى اعلن استقلاله …استنجد لومومبا بالاتحاد السوفيتي ولكن السوفيت رفضوا طلبه.. اضطر لومومبا الى اللجوء الى هيئة الامم المتحدة فاستجابت لطلبه ظاهرياً بدعم امريكى وارسلت (200) الف جندي الى الكونغو حتى يستطيعوا السيطرة من خلالهم على البلاد.
اقالة لومومبا .
رغم أن منصب رئيس الجمهورية شرفي والسلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء، فإن الرئيس كازافوبو اصدر امراً بعزل لومومبا وتجريده من كل صلاحياته وإقالة الحكومة، رغم أن مجلس اللشعب صوت بأغلبية كبيرة ضد هذا لقرار، وتم تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة جوزيف إليو المنافس فى الانتخابات للومومبا و الموالي لبلجيكا و الولايات المتحدة الامريكية
فكر لومومبا الى اللجوء الى معقل انصاره في شمال البلاد قرب الغابة الممطرة ليستند عليهم فى الدفاع عن بلاده و شرعيته ضد من يريدون إخضاع البلاد للمحتل الأجنبى مرة أخرى او إيقاعها فى براثن الولايات المتحدة و حلفائها فى أوروبا …
الجنرال سيسى سيكو ينقلب على لومومبا
قام (موبوتو سيسي سيكو) رئيس أركان الجيش الذى عينه لومومبا والذي كان حليفاً سابقاً له ووزيرا فى حكومته بخيانته وبتعليمات من السفير البلجيكى في الكونغو انذاك- اتهمه أمام كاميرات التلفزيون بانه متعاطف بل ومؤيد للشيوعية حتى ينال الرضا الأمريكى حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحارب كل ما هو شيوعى ويتلاقى مع عدوها اللدود فى الاتحاد السوفيتى و امر سيسى سيكو القوات بسرعة إلقاء القبض على لومومبا.
فى المقال القادم نكشف كيف تم القبض على لومومبا و إعدامه و ماذا فعل الجنرال سيسى سيكو بالبلاد
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *