إسرائيل في أفريقيا.. كيف دعمت «عيدي أمين» في أوغندا لتثبيت مصالحها؟

إسرائيل في أفريقيا.. كيف دعمت «عيدي أمين» في أوغندا لتثبيت مصالحها؟

المصدر : ساسة بوست  بقلم: عبد الرحمن ناصر نشر موقع مجلة النيويوركر، مقالًا حول علاقات إسرائيل مع أوغندا والمنحنيات التي اتخذتها هذه العلاقة، التي كانت أحد محددات وجود أشخاص بعينهم على رأس السلطة في العاصمة الأوغندية «كمبالا». يبدأ المقال بذكرى حدثٍ كبير، وقع في 27 يونيو (حزيران) 1976، عندما صعد أربعة خاطفين إلى طائرة من

المصدر : ساسة بوست  بقلم: عبد الرحمن ناصر

نشر موقع مجلة النيويوركر، مقالًا حول علاقات إسرائيل مع أوغندا والمنحنيات التي اتخذتها هذه العلاقة، التي كانت أحد محددات وجود أشخاص بعينهم على رأس السلطة في العاصمة الأوغندية «كمبالا».

يبدأ المقال بذكرى حدثٍ كبير، وقع في 27 يونيو (حزيران) 1976، عندما صعد أربعة خاطفين إلى طائرة من خطوط الطيران الفرنسيَّة، فاختطفوا 240 راكبًا، و12 هم طاقم الطائرة. أقلعت الطائرة من مطار تل أبيب، وتوقفت في مطار أثينا متجهةً إلى فرنسا، ولكن قبل أن تبلغ وجهتها غيَّرت مسارها فجأةً إلى ليبيا،

استطاعت الطائرة أن تملأ خزَّان وقودها في ليبيا، ثمّ استأنفت رحلتها، رأسًا إلى مدينة عنتيبي، في أوغندا. لكنّ ثلاثة أيَّام فقط كانت كافية كي يتم تحرير عدد كبير من المختطفين الذين لم يكونوا إسرائيليِّين، في عمليات تبادل أسرى لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».

في الرابع من يوليو (حزيران)، أي بعد أسبوعٍ من عملية الخطف.. أطلق سراح جميع الرهائن تقريبًا في غارة من القوات الخاصة (الكوماندوز) الإسرائيلية، التي كانت تحت قيادة «جوناثان نتنياهو»، الأخّ الأكبر لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي. لكنّ جوناثان قد قتل أثناء عملية الإنقاذ تلك –عملية عنتيبي– بنيران قنَّاص من برج المراقبة في المطار الذي احتجزت فيه الرهائن.

في هذه الفترة كان بنيامين نتنياهو يدرس في الولايات المتحدة، عندما علم بأنّ شقيقه «جوناثان» قد قُتل في هذه الغارة. يقول نتنياهو إنّ حياتهُ تغيَّرت تمامًا، وإلى الأبد، بعد سماعِهِ هذه الأخبار. فبدأ بتأليف كتابه حول الإرهاب الدولي، واتسمت سياسته بعد ذلك بـ«القلق العميق تجاه أمن إسرائيل».

هنا يُثار سؤال بالطبع، وهو «لماذا اختار الخاطفون مدينة عنتيبي الأوغنديَّة؟!»، وفقًا للمقال فالإجابة القصيرة هي: «بسبب أن ديكتاتور أوغندا الأسبق كان مؤيدًا للفلسطينيين»، بينما تكون الإجابة الأطول، هي: «لقد ساعدت إسرائيل -بنفسها- في تثبيت حكم عيدي أمين، وخلقت الوحش الذي سينقلبُ على رعاتِه وأنصاره السابقين!».

كانت إسرائيل دومًا على علاقة خاصة مع أوغندا منذ استقلالها عن «بريطانيا العظمى» عام 1962. بدءًا من خمسينات القرن الماضي، بدأ «ديفيد بن غوريون»، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، ببناء شراكات إستراتيجيَّة مع الدول التي تقع على حدود العالم العربي، مثل: أوغندا، وكينيا، وإيران، وتركيا… لمواجهة الدول العربية المعادية لإسرائيل. في إطار إستراتيجية إسرائيل لخلق تحالفات في محيطها. وعلى هذا فقد درَّبت إسرائيل وسلحت الجيش الأوغنديّ، كما أنشأت العديد من المشروعات الإنمائيَّة.

بعيد حرب الأيام الستَّة 1967/ حرب يونيو (حزيران) بشهور، باعت إسرائيل لأوغندا أسلحةً بقيمة 7 ملايين دولار. وفي عام 1969، بدأت إسرائيل بتهريب السلاح عبر أوغندا إلى جنوب السودان؛ حيث كانت هناك جماعات متمردة تعرف باسم «أنيانيا – سم الثعبان الأسود» تحارب الحكومة السودانيَّة التي يسيطر عليها العرب منذ الخمسينات. وكان الغرض من هذا هو إلهاء الجيش السوداني كي لا ينضمّ للقوات المصرية التي حشدت قواتها  للرد على الاستيلاء على سيناء.

في ذلك الوقت، كان الرئيس الأوغنديّ «ميلتون أوبوتي» من الوحدويين الأفريقيين، الذين كان عندهم تصور عن أفريقيا موحَّدة، والتي كانت من شأنها أن تحُدَّ من الإرث الاستعماري في القارة السمراء. وفقًا للمقال فإنّ قائد الجيش عيدي أمين كانَ شديد الإعجاب بإسرائيل، وقد التحق بدورة للمظلِّيين في إسرائيل. وفقًا للمقال فإن عيدي أمين كان أيضًا على علاقة قويَّة مع العقيد «باروخ بار- ليف» وهو الملحق العسكريّ لإسرائيل في أوغندا.

يذكر المقال أنَّه على الرغم من معارضة أوبوتي لتهريب إسرائيل السلاح لجنوب السودان، إلا أنّ عيدي أمين كان يُهرب السلاح على غير رغبة أوبوتي!

الرئيس أوبوتي

في هذه الفترة -يُكملُ المقال- كانت رئاسة أوبوتي محفوفةً بالصراع القبلي، ولا تحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ في الداخل. وفي اجتماع سياسي حاشد أعلن أوبوتي اتخاذ حكومته تدابير يساريَّة. كان هذا في 18 ديسمبر (كانون الأوَّل) عام 1969. أعلن حينها أوبوتي أنه سيقوم بتأميم الشركات الخاصة، والأراضي.  ولكنّ أوبوتي في المساء أطلق عليه النار على يد مسلحٍ مجهول. لكنهُ لم يمت، لقد نجا.

بعد ذلك أدرك أوبوتي أنّ عيدي أمين ضالعٌ في محاولة اغتيالهِ تِلك. العقيد الإسرائيلي بارليف -الملحق العسكريّ لإسرائيل في أوغندا- نَصَحَ عيدي أمين بتشكيل وحدةٍ خاصةٍ لحمايتهِ هو، مكوَّنة من المظليين ودبابات وسيارات الجيب العسكرية. وستدرب إسرائيل هذه الوحدة الخاصَّة. وقد حدث ذلك بالفعل. وفي يناير (كانون الثاني) 1971، أطاح عيدي أمين رئيسِهِ أوبوتي، عندما كان في سنغافورة لحضور اجتماع «الكومنولث البريطاني».

يذكر المقال أنّ الانقلاب كان مفاجأةً لبريطانيا نفسها، فقد «أخذ الانقلاب المفوِّض السَّامي لبريطانيا في أوغندا ريتشارد سلاتر، وبريطانيا على حين غِرَّة». ففي صباح اليوم التالي زار سلاتر العقيد بارليف، وقد أخبر بارليف سلاتر بأنّ عيدي أمين يسيطر على كامل قطاعات الجيش، وأنَّهُ قضى على جميع الضباط ذوي الولاء لأوبوتي.

آرييه عوديد، دبلوماسي إسرائيلي كان مسؤولًا عن الشؤون الأوغندية في وزارة الخارجية الإسرائيلية في تلك الفترة، ينفي أيَّة علاقة للعقيد بارليف بانقلاب عيدي أمين. لكنّ بارليف بنفسهِ -وفقًا للمقال- قد أخبر سلاتر ومجلة التايمز والمؤرخ الإسرائيلي يهودا عوفير، أنَّ له علاقةً وثيقةً بانقلاب عيدي أمين. ويذكر المقال أنّ أوَّل زيارات أمين للخارج كانت لإسرائيل، ثمّ لبريطانيا، حيث تناول الغداء مع الملكة إليزابيث.

توتَّرت العلاقات بين أوغندا وإسرائيل بعد أن رفضت إسرائيل بيع طائرات مقاتلة لأمين، الذي كان يرغب في الهجوم على تنزانيا لأنها استقبلت أوبوتي ومحاربيه.

يذكر المقال أنّ عيدي أمين اتَّجه حينها نحو ليبيا، العقيد مُعمَّر القذافي، الذي وافق بسهولة على بيع عيدي أمين طائرات إذا قطع عيدي أمين علاقاته مع إسرائيل. وافق أمين بسرعة، وطرد جميع الإسرائيليين من بلاده، واستضاف منظمة التحرير الفلسطينية في مقر السفارة الإسرائيلية سابقًا. وبدأ في بناء مسجد كبير للغاية في كمبالا، عاصمته الأوغنديَّة. لكنّ جنون عيدي أمين لم يتوقَّف عند هذا الحدّ.

عيدي أمين، مُمسكًا بصاروخ

وفقًا للمقال فقد اتصل عيدي أمين بوزيرة خارجيته، وطلب منها أن ترسل برقية إلى رئيسة الوزراء حينها «جولدا مائير» يقول فيها: «التقطي سروالك وعودي إلى أمريكا.. حيث المكان الذي جئتِ منهُ». لكنّ وزيرة خارجيته امتنعت عن ذلك، وأخبرته أنه لا يصح أن يرسل هذه الرسالة. يؤكد المقال أنّ غضب عيدي أمين من إسرائيل لأنها لم تمنحه الطائرات التي طلبها، كرست «تعاطفه المفاجئ» تجاه القضيَّة الفلسطينية، ما جعله يسمح لمنظَّمة التحرير أن تستخدم أوغندا في عملية خطفها.

يذكِّر المقال بعهد عيدي أمين، الذي قتل خلاله مئات الآلاف من معارضيه، كان عيدي أمين مريضًا بجنون العَظَمَة، وفقًا للمقال. أطيح بعيدي أمين عام 1979، على يد أوبوتي الذي عادَ إلى أوغندا بجيشه الذي كونه في تنزانيا. فاز أوبوتي في الانتخابات، ثمّ حكم حتَّى عام 1985، إلى أن أطاحه أحد جنرالاته، والذي بدورهِ سوف يطيحه يوري موسيفيني، الذي ما يزالُ في السلطة بعد مرور ثلاثين عامًا على انقلابه.

في عهد موسيفيني، أصبحت أوغندا مرةً أخرى كحجر شطرنج في الحرب غير المعلنة بين إسرائيل والعالم العربي. في عام 1994، بدأت إدارة الرئيس كلينتون في ضخّ أموال لأوغندا وغيرها من الدول لزعزعة استقرار حكومة السودان التي يقودها الرئيس عُمر البشير، المتَّهم بالتورُّط في تفجير مركز التجارة العالمي، عام 2003. وفقًا للمقال فقد نشرت أيضًا أوغندا قواتها بناءً على تعليمات الغرب في: الصومال، والعراق، وأفغانستان. في مقابل ذلك دفعت الولايات المتحدة 750 مليون دولار سنويًّا، كمساعدات لأوغندا. من بينها 170 مليون دولار من المساعدات العسكرية.

تعتقد كاتبة المقال أنَّ موسيفيني ديكتاتور أيضًا، وقد نال تغطيةً كافيةً من الغرب في ملفَّات انتهاكات حقوق الإنسان، ومشكلات تزوير الانتخابات، والتعذيب، وقتل المعارضة. وأثناء الصراع المحلي في جمهورية الكونغو المجاورة، دعم موسيفيني أمراء الحرب المناهضين لجوزيف كوني، لكنّ أمراء الحرب هؤلاء مسؤولون عن جرائم حرب ضد الإنسانية. موسيفيني –وفقًا للمقال– كان سببًا في تخريب المفاوضات التي قد تُنهي هذه الحرب.

موسيفيني ونتنياهو، 2005

ويكمل المقال: حققت الدول الغربية في هذه الانتهاكات السابق ذكرها، لكنَّها لم تدين موسيفيني. فقط انتقادات خفيفة بين الفترة والأخرى، لا تغيِّر من الأمر شيئًا. وخلافًا لعيدي أمين، يعرفُ موسيفيني جيدًا كيف لا يخرج على الذين عاونوه، و«أسياده» الذين ساعدوه في الوصول لما هو عليه الآن. ويؤكد موسيفيني دومًا أنَّه حليفٌ قويٌّ للغرب ولإسرائيل. فرغم عدم وجود سفارة لإسرائيل في أوغندا منذ طردهم منها عيدي أمين عام 1972، إلا أنّ موسيفيني وزوجته، وكبار السياسيين الأوغنديين يزورون إسرائيل. وتستقبل إسرائيل دومًا ضباطًا أوغنديين لتدريبهم، كما تبيع إسرائيل دائمًا أسلحةً لأوغندا. وتصوت أوغندا بشكلٍ دائم في الأمم المتحدة مع إسرائيل.

مؤخرًا -ووفقًا للمقال- فإن إسرائيل بدأت في تصدير اللاجئين الإريتريين والسودانيين إلى أوغندا، رغم الوضع المزري لحقوق الإنسان في أوغندا –وفقًا لـ«بي بي سي» – ومن المحتمل إذن أن تزيد مبيعات الأسلحة مع استيعاب أوغندا للعديد من اللاجئين.

يذكر أنّ نتنياهو زار أوغندا بداية الشهر الجاري، في ذكرى وفاة أخيه جوناثان نتنياهو، الذي غيَّر مقتله حياة بنيامين. ويقول المقال إنّ هذه الزيارة لا تفعل شيئًا سوى إضفاء الشرعية على هذا النظام الوحشي، الذي يقوده موسيفيني.

موضوعات متعلقة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *

أحدث الموضوعات

الكتاب الاكثر تفاعلا

الموضوعات الاكثر تعليقا

فيديوهات مميزة