منذ عام 1991، دخل رجل الأعمال باتريس تالون عالم السياسة حيث قدم حينذاك دعما ماليا للمرشح (نيسيفور سوجلو) الذي فاز في انتخابات الرئاسة. وفي عام 1995، مول تالون هذه المرة العديد من الأحزاب السياسية في الانتخابات التشريعية.
على عكس رؤساء دول العالم الثالث الذين لا يتركون مناصبهم إلا مع موتهم خرج الرئيس (تالون) معلنا إرادته عن سن تشريع قانون يجعل مدة الرئاسة تقتصر على فترة رئاسية واحدة تصل مدتها إلى ست سنوات على خير المعمول به حاليا فى بنين حيث يجيز الدستور لرئيس الجمهورية امكانية الترشح لفترة رئاسية ثانية و تمتد الفترة لخمس سنوات و قد صرح الرئيس تالون أن هذا الاجراء يأتى للحد من “شعور الرضا عن الذات” الذى يصيبالرؤساء في الدولة الصغيرة و يجعلهم يحبون السلطة و البقاء فى الحكم .
ولكن على عكس المتوقع فقد صوت البرلمان البينينى يوم الثلاثاء الماضى 11/7/2017 برفض مشروع القانون الذي اقترحه الرئيس ويدعو لإجراء استفتاء عام لاقرار هذا التعديل الدستورى . وتتناقض هذه المحاولة الرائعة للرئيس تالون مع محاولات كثيرين من حكام أفارقة يريدون تعديل الدستور من أجل الاستمرار لفترة رئاسية ثالثة أو رابعة أو مدى الحياة .
من هو (تالون) رئيس بنين ؟؟
تشكل حياة رئيس بينين مسيرة طويلة بين البيزنس والسياسية فقد ولد في مايو عام 1958 بمدينة أبوميه بإقليم زو و الذى يقع فى جنوب البلاد , و لكنه تربى ونشأ في العاصمة بورتو نوفو حيث تمتلك عائلته مسكنا فيها .
كان والده يعمل موظفا في السكة الحديد بينما والدتهكانت ربة منزل و هى من أسرة ذات أصول كبيرة فى مدينة أبوميه، و قد كشف منافسه في الانتخابات الرئاسية الاخيرة (ليونيل زينسو) خلال مناظرة تليفزيونية أجريت بين الطرفين في 17 مارس 2016 عن أن أحد أجداد تالون ويدعى بيير تالون قد وصل بنين في أواخر القرن 18و قد عمل حارسا بالقلعة الفرنسية المطلة على ميناء ويداه وهو ميناء قديم يستخدم لنقل العبيد من غرب أفريقيا إلى امريكا واوروبا خلال فترة تجارة الرقيق .
درس باتريس تالون في داكار – عاصمة السنغال – وحصل هناك على الشهادة الثانوية وبدأ بعد ذلك فى دراسة علوم الرياضيات بكلية داكارا إلا أنه بعد عامين من الدراسة نجح فى مسابقة لأختيار الراغبين بالعمل كطيارين لدى شركة طيران أفريقيا , فذهب إلى فرنسا لتعلم علوم الطيران ولكنه فشل هناك و لم يستكمل دراسته هناك واتجه إلى العمل في فترة الثمانينيات في مجال استيراد الأسمدة الخاصة بزراعة القطن.
فى عام 1985 أسس تالون شركته ونجح في الحصول على أول صفقة مع الشركة الوطنية للتنمية الزراعية لتكون بذلك حجر الأساس في إمبراطورية القطن الذى بناها . وفي خلال عشر سنوات تمكن تالون من إبرام صفقة اخرى كبرى لإنشاء ثلاثة مصانع لحلج الأقطان بطاقة 25 ألف طن لكل مصنع . واصبح تالون أحد المؤثرين على الاقتصاد في بنين و بدأ اتجاهه للسياسة يظهر فى ذلك الوقت لاسيما عقب فوز الرئيس (توماس بوني يايي ) عام 2006 في الانتخابات الرئاسية.
بعد مرور عامين على وصول ( توماس بوني يايي) إلى الحكم، فاز باتريس تالون بالعطاء الحكومى الخص بخصخصة قطاع القطن وفي عام 2011، حصل على عقد أخر يقضى بإدارة برنامج فحص الواردات بميناء كوتونو.
وبدأت شركته “شركة التوزيع الدولية” تنتشر اقليميا ففتحت لها فروعا في كل من مالى وبوركينا فاسو وكوت ديفوار والسنغال
فى عام 1991، توغل باتريس تالون اكثر فى عالم السياسة حيث قام بتقديم دعم مالي للمرشح الرئاسى (نيسيفور سوجلو) والذي فاز في انتخابات الرئاسة وقتها . وكرر تالون هذا الامر في عام 1995، حيث مول العديد من الأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية . واصبحت هذا الفعل مستمرا من قبل تالون بعد ذلك . وفى عام 2005 – أي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية بعام واحد فقط – التقى بالرئيس (بوني يايي) الذي كان يشغل منصب مدير بنك غرب أفريقيا للتنمية وقتها ، و قام بدعم (بوني يايي) فى الانتخابات حيث كان يتوافق الاثنان على ضرورة التغيير .
و لكن بعد فوز ( بونى يايى ) انتهى فجأة شهر العسل بين تالون والرئيس الذي ربما خاف أن يكون لتالون نفوذ قوي عليه لاسيما بعد معارضة تالون لمشروع تعديل الدستور الذي طرحه الرئيس ( بونى يايى ) . و قد تم استجواب باتريس تالون أكثر من مرة فى سبعة قضايا تتهمه بارتكاب جرائم اقتصادية وتم وضعه فى الحبس الاحتياطي في أبريل عام 2012. كما قامت الحكومة بعدها بإيقاف عقده الخاص بإدارة برنامج فحص الواردات في ميناء كوتونو .
وبعد شهر، رحل تالون عن بنين سرا إلى فرنسا عن طريق جمهورية سيشيل ومنها إلى ألمانيا ثم بروكسل. وتوالت الاتهامات ضد تالون ومن أبرزها محاولة تسميم رئيس بنين بأقراص مشعة، اقتناء طائرات استطلاع بهدف مهاجمة طائرة الرئيس، تجنيد قوات خاصة من الكوماندوز، سرقة خزائن الجمارك بقيمة 12 مليار فرنك فرنسي إفريقي (18، 3 مليون يورو)، لكن لم تتم إدانته في أي اتهام من تلك الاتهامات.
عاد باتريس تالون إلى باريس في الفترة من مايو 2012 إلى أكتوبر 2015 ليعيش منفيا هناك بعد أن قضى بضع سنوات في العاصمة باريس إبان عقد الثمانينيات. ويمتلك شقة فاخرة في الدائرة السادسة عشرة بالعاصمة الفرنسية كما اعتاد النزول في فندق جورج الخامس الفخم الذي يقع على بعد خطوات من الشانزليزيه. وسافر خلال فترة نفيه في باريس، إلى عدد من دول غربي أفريقيا في زيارات عمل استقبل خلالها سياسيين من مختلف الاتجاهات وكذلك رجال أعمال وصحفيين.
يقول المراقبون أنه مما لا شك فيه أن باتريس تالون يمكنه التمتع بالحصانة بفضل منصبه الجديد كرئيس للبلاد، لأنه مطلوب في العديد من القضايا إلا أن الدعوى المرفوعة ضده بتهمة محاولة تسميم الرئيس المنتهية ولايته توماس بوني يايي قد رفضت في بنين لكن القضاء الفرنسي لايزال ينظر فيها منذ يونيو 2014، وعين النائب العام الفرنسي قاضيين للتحقيق. وتعد دولة بنين مدعيا بالحق المدني في هذه القضية منذ منتصف يناير الماضي.
بيد أن العديد من القضايا الأخرى المرتبطة بإدارته لقطاع القطن في بنين لا تزال مرفوعة أمام القضاء في كوتونو. وهناك دعوى أخرى تتعلق بعقد إدارة برنامج فحص الواردات في ميناء كوتونو ينظرها القضاء في جنيف وهي مرفوعة من الشركة السويسرية “اس جي اس”، الشركة العامة للمراقبة وهي شركة رائدة عالميا في التفتيش والتحقق والتحليل والاعتماد.
ترشح تالون لانتخابات الرئاسة العام الماضى أمام رئيس الوزراء (ليونيل زينسو) ،و استطاع تالون الاستفادة من دعم غالبية المرشحين الخاسرين في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة للفوز في الجولة الثانية يوم الأحد 20 مارس 2016 .
ويعد باتريس تالون رجلا صعب الاحتواء، فهو منظم للغاية ويتسم بالدهاء الشديد والألفة إلا أنه حذر جدا يعتني كثيرا بصورته باعتباره ملك القطن، ونادرا ما يدلي بأحاديث صحفية.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *