كان في بلاد الحبشة لا يعيب على المرأة إلا ان تكون طاهره موفورة العرض, وقلما يقيم الرجل لعفتها وزنا, سواء اكان ذلك قبل الزواج أم بعده مادامت قائمه بواجباتها
أُعتبرت المرأة في المجتمعات الأفريقية البدائية الأساس في تكوين الأسرة والحفاظ عليها بحيث تمتع المرأة الأفريقية بمكانة متميزة أكثر من غيرها لفترة طويلة، وخاصة في بناء المجتمع الأفريقي، فيرجع لها الفضل في قيام المجتمع الزراعي الذي على أساسه تتألف باقي المجتمعات الأخرى، بل وتبنى الحضارات، فكثير من العلماء يؤكدون أن هناك علاقة متداخلة بين المرأة والأرض وإبرازها على أنها ذات طابع ديني أو غيبي، فكلما حملت المرأة الأفريقية وانجبت طفلا، زادت خصوبة الأرض، وزاد محصولها.
يختلف دور المرأة في القارة أفريقيا من دولة لأخرى أو من منطقة لأخرى حسب العادات والتقاليد أو التاريخ أو الثقافة أو الدين الخاص بتلك الدولة، أو المنطقة، فدور المرأة في دول شمال أفريقيا تختلف عن شرق وغرب أفريقيا وكذلك عن وسط وجنوب أفريقيا، وإن كانت المرأة في مضمونها وكيانها واحدة لا تتغير.
كانت العادات والتقاليد في افريقيا جنوب الصحراء أسوأ ما عرفته البداوة في جميع بقاع الأرض نظرا للظروف التي عاش فيها أولئك الأفارقة, فضلا عن انعزالهم بشكل كبير عن المجموعات البشرية الاخرى وعدم وجود فكرة منظم وعقيدة واضحه تسمو الى مستوى المطلوب.
هذا ما يدفعنا بالقول بان المجتمعات الإفريقية يغلب عليها الطابع القبلي أي سيطرة النظام القبلي على تسير شؤون المنطقة. مما ادى بغياب فكرة الكيان الوطني التي تنطوي تحته الشعوب الافريقية .
بحيث تمثل الأسرة العمود الفقري لأي مجتمع وتتشابه مكونات الأسرة في جميع المجتمعات سواء منها المعتنقة لديانة سماوية او الوثنية . إلا أن الفارق بينهما هو مدى تماسك كل منها من عدمه. ويتضح ذلك من خلال مقارنة المجتمعات الوثنية مع مجتمعات الأديان السماوية وعلى راسهم الاسلام الذي دعا الى وحدة المجتمع مبتدئا من الأسرة , من خلال زرع بذور الوحدة, والالتزام بالأخلاق والتعاليم السماوية.1
المرأة :
تعد المرأة التي لم تأخذ وضعها الطبيعي الا بعد وصول الاسلام الى المنطقة ركنا اساسيا في الأسرة, وقد كانت المرأة قبيل الاسلام بعيدة كل البعد عن الاحتشام والعفة, وكان العري سائدا في المجتمع , شاملا للجميع رجلا كان أم امرأة صغيرا كان ام كبيرا.
وهذا ما اشار اليه المؤرخ حسن الوزان الى ذلك العري بقوله: ” يسير أهل البلاد عراة في الصيف بمآزر من الجلد, ويتدثرون في الشتاء بجلود الغنم, ويفترشونها كذلك“.2
هذه الظاهرة التي رافقها عدم الخجل أو الحياء مما كان مدعاة لانتشار الفواحش والزنا في مثل هذه المجتمعات البدائية قبل اسلامها, وقد جاء عن الادريسي بقوله: ” وهم أكثر الناس فسادا ونكاحا واغزرهم ابناء وبناتا. وقلما توجد منهم امرأة إلا وتبعها أربعه اولاد أو خمسة, وهم في ذاتهم لا يبالون بشيء من امور الدنيا بما كان من لقمة او نكحه“.3
واشار المقريزي الى أن” بعض نساء البجة كن لا يكترثن بالمحافظة على عفافهن, اذ يسلمن انفسهن لمن يزور بلادهن من الأغراب, واذا ما ولدن ذكرا من الزنا قتلنه, ويبقون الجارية على قيد الحياة, ويقولون ان الرجال بلاء وحرب“.، وقد اشار حسن الوزان 4ايضا إلى عدم التزام نساء السودان في المناطق الجبلية من البرنو بالأخلاق بقوله:” هم كالبهائم بدون قواعد ولا قوانين وتكثر عندهم العاهرات والازواج المخدوعون, الا قليلا من النساء يعيش في امهات القرى فلهن نصيب أوفر قليلا من الكرامة الإنسانية“.5
وكان في بلاد الحبشة لا يعيب على المرأة إلا ان تكون طاهره موفورة العرض, وقلما يقيم الرجل لعفتها وزنا, سواء اكان ذلك قبل الزواج أم بعده مادامت قائمه بواجباتها, مطيعة لأوامر زوجها6، كما كان الزنا مباحا في تادمكة7, اذ كانت النساء تبادر التجار القادمين لبلادهن ويأخذوهن الى بيوتهن, وفي إشارة أخرى الى عدم الالتزام بالأخلاق يؤكد حسن الوزان, انهم كالبهائم يشتركون بالنساء الأولاد.
والجدير بالذكر رغم انتشار هذه الفواحش فقد كان للمرأة في المجتمع الإفريقي قبل الاسلام درور هام الى جانب الرجل وكانت لها استقلالية, كما كان لها الحق الاحتفاظ بثروتها قواعد قبيلتها المرعية8.
فقد تعززت بعد تأثير الاسلام يسري فيهم اقتنع الكثير منهم بزوجه واحد.
كما كانت للمرأة مكانتها السامية بين القبائل الكانوري9, وقد جرت العادة ان تعمل الى جانب الرجل في مجال الزراعة, والغزل, والنسيج, كما كانت تتمتع بقسط كبير من الحرية, وكان من تقاليدهم تتدخل نساء الطبقة الحاكمة في شؤون الحكم لسياسه, ولا سيما أم السطان وزوجته الأولى، الا ان تلك المكانة السامية للمرأة الإفريقية لم تصل الى الحد الذي وصلت اليه المرأة المسلمة, فقد وقعت تحت تأثير العادات والتقاليد الوثنية التي كانت سائدة في اغلب المجتمعات قبل الاسلام10 .
كما اعتقدوا بمسألة تعدد الزوجات بشكل غير محدد وإن كانت حالته المادية غير جيدة, وإذا ما ان غنيا او يملك ما يكفيه من الثروه فيعمد الى الزواج من ست زوجات يمثلن القبائل الست الرئيسيه في غانا11.
وتحدث الوزان عن المجتمع الإفريقي واباحيته الكبيرة بقوله:” ان السكان يجتمعون في الليل عشره الى اثنى عشر رجلا وامرأة في كوخ, ويضاجع كل واحد من تعجبه اكثر من غيرها”.12
لن تقف المرأة عند هذا الحد فقط بل عملت على توفير الطاقة ، وأكبر مصدر للطاقة في المناطق الريفية من إفريقيا هو خشب الوقود، وبذلك أصبحت المرأة الإفريقية تضطلع بمسؤولية غير متكافئة عند العثور على حزم ثقيلة من حطب الوقود وحملها ،أما توفير الماْ الذي يعتبر المادة الحيوية من اجل البقاء ولأسرتها، كان عليها أن تمشي لمسافات طويلة للتزود بالماء، بيد أن الرجال هم الذين كانوا يقومون بحفر إذا دعت الحاجة إلى ذلك 13 .
الزواج:
اما بالنسبة للزواج في افريقيا جنوب الصحراء قبيل الإسلام بطرق متعددة, إلا اوضحها واعمها ما كان يقوم على اساس المبادلة(راس براس) فالخطيب مثلا يعطي أخته او حدى قريباته الى جماعة خطيبته .وحينما تكون المرأة التي وقع عليها التبادل عقيما فلزوجها الحق في طلب واحدة أخرى وتفضل المرأة الموت على ان يكشف الناس انها عقيمة. الامر نفسه ينطبق على الرجل لانهما وفق التقاليد يكونان في حالة خزي شديد, وكذلك العار الا تستطيع المرأة بدون زواج بعد عام من وفاة زوجها 14 .
———————————————————————————————-
المصادر:
1_ بشار أكرم الملاح: التحولات التي أحدثها الاسلام في المجتمع الإفريقي، دار المصرية، _مصر_، 2000، ص85.
2- الوزان حسن ابن محمد: وصف افريقيا، ترجمة عن الفرنسية، د. محمد حجي، د محمد الأخضر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1983 . ص176.
3_ الحموي ياقوت : معجم البلدان، ج5، ص309.
4_ الوزان حسن: المصدر السابق.
4_ بشار أكرم الملاح: المرجع السابق، ص86.
5_ حسن محمد جوهر: الحبشة، لجنة البيان العربي،ط1 ،ص 26.
6_ نعيم قداح: إفريقيا الغربية، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،1965 ،ص 95.
7_ يقول البكري في الروض المعطار: “وتادمكة أشبه بلاد الدنيا بمكة ومعنى تادمكة هذه مكة وهي مدينة كبيرة بين جبال وشعاب وهي أحسن بناء من مدينة غانة ومدينة كوكو(كاوا)..إلخ فذكر من إسلام أهلها وأشاد في وصفهم ونعت عيشهم وملابسهم والزي الخاص بملوكهم وذكر أن عملتهم تسمى الصلع لأنها من الذهب المحض غير مختومة وفي أصل تسميتها تادمكة تنقل رواية أن الحجاج المغاربة مروا بها راجعين فرأوها كما نعتها البكري فقالوا تادمكة يعني هذه مكة، على سبيل التشبيه في المظهر الطبيعي للموقع. للمزيد من التفاصيل أنظر: محمد عبد المنعم الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار، مكتبة لبنان، ط2، 1986، ص128.
9_ المتنورون بنور الاسلام كما في لغة الكانمبو, ولقد انصهروا تماما وكونوا قومية تتجاوز القبلية والعشائرية بسبب قربهم من الثقل الحضاري والعلمي للامبراطورية. على عكس ابناء عمومتهم من الكانمبو الذين بقوا على عشائرهم كما في العهود السحيقة التي ترجع الى حكم الماي دونامه القرن الثالث عشر الميلادي. هذه اللغة التي كانت في الاصل لقبائل الماغومي أصبحت لغة لجميع الكانمبو بسبب المصاهرات والتحالفات العسكرية باستثناء القبائل التي تصهارت مع التوبو او القوران التي تتكلم لغتها اليوم ويعرفون بالكانوما الان في كانم وهناك قبيلة البلالا التي غادرت تماما ارض كانم لكي تستقر في ارض بحيرة ياو وتبدلت لغتهم الكانمبو لكي يتكلموا لغة القبائل التي اخضعوها واخر جيل تكلم بلغة الكانمبو كان بعد وصول المستعمر الذي دون ذلك في ارشيفه. الموسوعة الحرة
10_ السعدي عبد الرحمان: تاريخ السودان، باريس، 1981،ص5.
11_ بشار أكرم الملاح: المرجع السابق، ص 88.
12_ حسن الوزان: المصدر السابق.71
13_ مزورعي علي:تاريخ إفريقيا العام، المجلد الثامن،المطبعة الكاثولكية،لبنان، 1988، ص 987.
14_ الجدير بالذكر ان مثل هذه التقاليد لاتزال في بعض المجتمعات الإفريقية.
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *