فى خلال 4 سنوات استطاع القائد الشاب أن يحول بلده الفقيرة الى بلد مستقل اقتصاديا ومتقدم اجتماعيا فشجع على نمو الصناعات المحلية وطالب الشعب بالاستغناء عن أكل الحبوب المستوردة من أوروبا قائلا ” علينا أن نستهلك ما نتحكم فيه “
نحن لا نستطيع سداد الدين لأن ليس لدينا مال نحن لا نستطيع سداد الديون ، لأننا لسنا مسؤولين عنها نحن لا نستطيع دفع الديون لأنه على العكس الآخرين مدينون لنا بما لا يمكن أبدا لأعظم الثروات أداؤه ، إنه دين الدم إنها دماءنا التي أريقت كان هذا بداية خطاب توماس سانكارا رئيس بوركينا فاسو فى مؤتمر أديس أبابا عام 1987 متحدثا عن الديون الافريقية قبل أشهر من اغتياله .
اولا : نشأته وتعليمه
ولد توماس سانكارا في 21 ديسمبر عام 1949 في بلدة ياكو في بوركينا فاسو التي كانت تسمى وقتها “فولتا العليا” في عائلة كاثوليكية تنتمى للطبقات الدنيا في المجتمع ، أكمل سانكارا دراسته الابتدائية والإعدادية في العاصمة واغادوغو ثم التحق بالثانوية العسكرية التحضيرية خلافا لطموحات عائلته التي كانت ترشحه ليتلقى تكوينا دينيا ليصبح كاهنا، وقد برز في هذه المرحلة بتفوقه الدراسي ومهاراته الرياضية العالية ، وقد سافر سانكارا في العشرينيات من عمره في بعثات دراسية ضمن تكوينه العسكري إلى كل من مدغشقر والكاميرون، وعايش في مدغشقر أحداث ثورة للعمال والطلاب أطاحت بالحكومة.
ثانيا : وصوله إلى السلطة وانجازاته
يعد توماس سانكارا واحدا من الرموز الافريقية الثائرة التى طالبت بتوحيد الدول الافريقية للوقوف ضد ما أسماه “الاستعمار الجديد” للمؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وقد وصل سنكارا للسلطة وعمره 33 عام بدعم وتأييد من الشباب البوركينى الذي رأى فيه قائدا شابا ثوريا يكافح من أجل تخليص البلاد من فقرها الناتج عن الاستعمار الفرنسي الذي دام أكثر من 60 عام وفي ظل حكمه تم تغيير اسم البلد من فولتا العليا إلى بوركينا فاسو مما يعني “أرض الشعب المستقيم” ، وقد ركز سانكارا كل اهتمامه فى القضاء على هيمنة القوى الاستعمارية الفرنسية على دول غرب افريقيا ورفض الحصول على المزيد من القروض الدولية والامتناع عن سداد القائم منها ، وفى خلال 4 سنوات استطاع القائد الشاب أن يحول بلده الفقيرة إلى بلد مستقل اقتصاديا ومتقدم اجتماعيا فشجع على نمو الصناعات المحلية وطالب الشعب بالاستغناء عن أكل الحبوب المستوردة من أوروبا قائلا ” علينا أن نستهلك ما نتحكم فيه ” .
كما قد بدأ سانكارا في إعداد خطة إصلاح شاملة قائمة على إعادة توزيع الثروات وعلى طريقة جمال عبد الناصر ” الأرض لمن يزرعها ” أصدر قانون الإصلاح الزراعى ومن خلاله وزع الأراضي على المزارعين الفقراء مما أدى إلى زيادة هائلة في إنتاج القطن ، كما تم في عهده حفر المئات من الآبار واستصلاح الأراضي ، وكنتيجة لاهتمامه بالزراعة أصبحت بوركينا فاسو أول دولة أفريقية تصل إلى الاكتفاء الذاتى من القمح مع وجود فائض فى الإنتاج ، ومن الجدير بالذكر ان سانكارا كان يعيش أسلوب حياة صارمًا حيث قام بتخفيض راتبه وراتب جميع الموظفين العموميين كما حظر استخدام السائقين الحكوميين وتذاكر الطيران من الدرجة الأولى ، كما قام سنكارا ببيع أسطول السيارات الحكومية الفاخرة واستبدالها بسيارات ارخص ثمنا , وقام بإلغاء الضرائب على أصحاب الدخول المحدودة وفرضها على الوزراء و أصحاب الدخول الكبيرة .
وعلى عكس معظم رؤساء الدول الأفريقية آنذاك الذين استغلوا موارد بلادهم لمصالحهم الشخصية كان راتب سانكارا لا يتعدى 450 دولار وهو الراتب الاقل بين رؤساء العالم فى السنة الأولى من حكمه أطلق حملات التطعيم للحد من انتشار الأوبئة حتى قامت منظمة الصحة العالمية بتهنئته على تطعيم 2.5 مليون طفل ضد مرض شلل الأطفال ، كما أطلق سانكارا حملة لمحو الأمية وبناء المدارس مما ترتب عليه انخفاض نسبة الأمية التي كانت وصلت الى 90% قبل توليه السلطة .
كما كان تمكين المرأة فى المجتمع من اولوياته فكان أول رئيس أفريقي يحظر ختان الإناث وزواج القاصرات وادان تعدد الزوجات وقد تضمنت حكومته عدد كبير من النساء ولكن أفكار سانكارا لم تكن تروق للمجتمع البوركينى المتعدد الاثنيات وعارضوه بشدة عندما أكد على المساواة بين الرجل والمرأة وجعل تعليم المرأة اجباري , وقد قال في أحد اجتماعاته ” نحن لا نناضل من أجل أن تتمكن المرأة من التدخين ومن شرب الخمر نضالنا هو من أجل تمكين المرأة من مشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية فأمتنا و ثورتنا يحتجان للمرأة لتحقيق التحرر الفعلي و للنهوض بالاقتصاد ” .
ثالثا : اغتياله
تم اغتيال سانكارا فى 15 أكتوبر 1987 مع 12 من مساعديه بالرصاص في العاصمة واغادوغو وأعلنت السلطات وفاته في ظروف طبيعية وتكتمت على ظروف مقتله ، وقد اغتيل سانكارا على يد بلايز كومباوري زميله السابق الذي تولى الحكم فيما بعد مدعوما من السلطات الفرنسية التي كانت تنوي التخلص من سنكارا خوفا من انتشار شعاراته الثورية المناهضة للامبريالية والتدخل الأجنبي ، ولم تكن فرنسا وحدها خائفة من أفكار سنكارا بل العديد من زعماء الدول الافريقية الذين لم يتفهموا نضاله الثوري ، وتعد تجربة سنكارا ملهمة للعديد من الشباب الأفارقة حتى لقبوه بجيفارا القارة السمراء فهى لم تكن تجربة سياسية واقتصادية ناجحة ومؤثرة بل كانت أقرب إلى درس في كيفية تحويلِ حلم إنهاء التبعية للغرب إلى حقيقةٍ ، وكان آخر أقوال سنكارا قبل اغتياله يمكن قتل الثوار لكن أفكارهم لا تقتل كلمات سنكارا الأخيرة حولته الى رمز من رموز التحرر الوطنى فى القارة السمراء .
قائمة المراجع
1. محمد الدابولي ، »توماس سينكارا».. تجربة تنمية أفريقية غير مكتملة ، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية ، المقال متاح على الرابط التالى
https://pharostudies.com/?p=3283
2. عبدالعزيز محمد العنجري ، الرئيس الفقير سانكارا ، القبس ، المقال متاح على الرابط التالى https://www.alqabas.com/article/5685600
1 التعليق
Hesham
يوليو 25, 2017, 3:17 ميبدو ان بعض القادة الافارقة لهم يد في اغتيال هذا الثائر
الرد