أتي رواندا كثاني أفضل بلد إفريقي من حيث سهولة القيام بالأعمال التجارية في 2016، وذلك بفضل سياسة الشباك الواحد التي اعتمدتها الدولة، والتي ضمت جميع الهيئات المنوط بها منح تراخيص البناء والتراخيص التجارية تحت سقف واحد
لم يكن أحد يعلم الكثير عن رواندا تلك الدولة الصغيرة الهادئة التي تقع في وسط القارة الافريقية الا ان شهدت هذه الدولة في تسعينات القرن الماضي عدة صراعات وحروب أهلية حيث تعرضت لأسوأ ابادة عرقية حيث قتل نحو مليون شخص من قبيلة التوتسي التى تمثل 15% من اجمالى السكان من قبل قبيلة الهوتو التي تمثل 85 % من اجمالى السكان عام 1994, لكنها اليوم تشهد طفرة اقتصادية وسياحية جعلت عاصمتها ” كيغالي” تنتزع لقب “أنظف عاصمة إفريقية” لعدة مرات .
اولا : الابادة الجماعية
شهدت رواندا في الفترة بين عامي 1991 و1994، بدأت حرب أهلية بين جماعتى التوتسي والهوتو وفي عام 1994، بأوامر من وزراء الحكومة آنذاك، انقلبت غالبية سكان الهوتو في البلاد، على الأقلية التوتسية مما أسفر عن مقتل حوالي مليون رجل وامرأة وطفل، خلال 100 يوم فقط حيث تعرض ما يقرب من 75 % من سكان التوتسي للإبادة والضرب حتى الموت في أغلب المدن والقرى الرواندية، كما قد قُتِلَ أيضا أكثر من 30.000 من الهوتو الذين لم يشاركوا أو رفضوا المشاركة في هذه الإبادة الجماعية، إذ اعتُبروا “خائنين”، يجب التخلص منهم، ونتيجة لهذه الفظائع لجأ أكثر من ثلثى السكان إلى البلدان المجاورة ، ومن ثم استولت الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة التوتسي على السلطة .
ثانيا : المصالحة الوطنية
جاءت نقطة التحول في تاريخ رواندا عقب بضع سنوات من الإبادة الجماعية وذلك عندما انتخب بول كاغامي رئيساً لرواندا ، ففي عام 1999 بدأت رواندا لجنة الوحدة الوطنية والمصالحة وذلك من أجل العمل على تحقيق المصالحة بين الأطراف المتنازعة المشاركة في الحرب الأهلية الرواندية والإبادة الجماعية في رواندا ، وذلك بهدف إعادة توحيد مواطني البلاد وقد نص قانون حكومة الوحدة الوطنية رقم 03/99 على إنشاء لجنة الوحدة الوطنية والمصالحة ، التي أصبحت هيئة دائمة في عام 2002 وكان هدف اللجنة كما يوحي من اسمها إلى تعزيز الوحدة والمصالحة بين المعارضين السابقين الموجودين في صفوف السكان الروانديين والتوفيق بين المجتمع الرواندي في دولة موحدة ومسالمة .
ثالثا : التنمية الاقتصادية والإصلاح السياسي
تعد رواندا نموذج ملهم حيث نجحت في تحقيق مجموعة من أسرع معدلات ومؤشرات التنمية في القارة الأفريقية، وزيادة فرص العمل وتنويع الاقتصاد وتعزيز مصادر القومي، لتقدّم نفسها كمعجزة اقتصادية أفريقية ملهمة ، فقد بدأت رواندا تنمية سياسية واقتصادية حقيقية فأستطاعت رواندا عن تخلع عنها رداء الجهل والتخلف في غضون عشرون عام أثبتت فيهم رواندا انها تستطيع ان تنتقل من الابادة إلى الريادة ، وأن تمضي قدما في طريق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، محققة العديد من الإنجازات في زمن قياسي ، فاستطاعت رواندا تخفيض معدلات الفقر من 57% عام 2005، إلى 39% عام 2015، أي أن معدلات الفقر في رواندا قد انخفضت بمقدار 18% خلال عشر سنوات فقط كما ان اقتصاد رواندا هو الأكثر تطورا على مستوى العالم منذ عام 2005 وحتى الآن .
كما تأتي رواندا كثاني أفضل بلد إفريقي من حيث سهولة القيام بالأعمال التجارية في 2016، وذلك بفضل سياسة الشباك الواحد التي اعتمدتها الدولة، والتي ضمت جميع الهيئات المنوط بها منح تراخيص البناء والتراخيص التجارية تحت سقف واحد، ومن ثم ضمان الحصول على التراخيص اللازمة في غضون 30 يوم عمل من تاريخ تقديم الطلب , لذلك تعتبر رواندا من أكثر الدول استقطابا للمستثمرين في القارة الإفريقية حيث قامت بإصلاحات كبيرة خلال العشرية الأخيرة وارتفع نمو الناتج القومي وهذا ما جعل الكثيرين يلقبون رواندا بـسنغافورة إفريقيا ، وفي مجال الثورة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحتل موقع الريادة أفريقيا، إذ توفر الإنترنت مجاناً داخل منظومة المواصلات العامة وسيارات الأجرة، وفي مؤسسات القطاع الصحي، وضمن معظم المباني التجارية والخدمية، كما أنها رائدة في توظيف التكنولوجيا الحديثة في المجال الاقتصادي، وإعادة بناء البنية التحتية لدعم نمو القطاع الخاص، وترسخ ثقافة ريادة الأعمال وتشجّع انطلاق الأفكار المبتكرة والمشاريع الناشئة ، كما تتمتع رواندا بدرجة عالية من المساواة بين الجنسين واحترام حقوق المرأة والتعزيز من مكانتها ، حيث تحتل رواندا المركز الأوّل في تمثيل المرأة في برلمانها مع نسبة 64 في المائة، بين 51 دولة أفريقية أخرى، وفق ما جاء في تقرير التنمية البشرية في أفريقيا لعام 2016 الصادر أخيراً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
لا شك أن رواند تمثل معجزة حقيقية ، كونها خلعت عن رقبتها طوق التخلف، فعلى الرغم من الإبادة الجماعية التي شهدتها في عام 1994 والتي أودت بحياة مليون شخص تقريباً، إلا أنّها استطاعت خلال العقدين الماضيين بناء دولة فريدة واستطاعت أن تتجاوز الخلافات العرقية والإثنية، فالمواطن في رواندا الآن ليس هوتو أو توتسي، وإنما رواندي في المقام الأول .
قائمة المراجع
1. Rwanda today (2020) “Second satellite launch to boost Rwanda space programme” The main website of Rawandatoday news. Available from: http://rwandatoday.africa/business/Second-satellite-launch-to-boost-Rwanda-space-programme/4383192-5134940-7qvqn9z/index.html
2. The Economist (2019) “How well has Rwanda healed 25 years after the genocide?” Available from: https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2019/03/28/how-well-has-rwanda-healed-25-years-after-the-genocide
اترك تعليقاً
لن يتم نشر البريد الإلكتروني الخاص بك. الحقول المطلوبة مؤشرة بعلامة *